ويشترط الاختصاص القاضي المستعجل تحقق الشروط الثلاثة الآتية:
الشرط الأول. توافر ركن الاستعجال أو الخطر:
ومعنى ذلك أن تكون المنازعة مما يخشى عليه من فوات الوقت. وقد عرف الاستعجال بأنه هو الخطر المحدق بالحقوق أو المصالح التي يراد المحافظة عليها- وهو يتوافر كلما وجدت حالة يترتب على فوات الوقت حصول ضرر منها يتعذر تداركه أو إصلاحه.
وللخشية من فوات الوقت مظهران:
المظهر الأول: الخشية من زوال المعالم – ومثال ذلك أن يقوم شخص بإغراق أرض جاره بالمياه بعد أن يكون قد أعدها للزراعة – ويرغب صاحب الأرض في إثبات هذه الحالة فور اً- وظاهر أن فوات الوقت يؤدي إلى جفاف المياه وزوال معالم الواقعة التي يريد صاحب الأرض الاستناد إليها في طلب التعويض مستقبلا.
والمظهر الثاني: هو الخشية من فوات المصلحة أو ضياع الحق –كما في حالة المستأجر الذي يترك العين المؤجرة بعد أن يخربها أو يتلفها- فهذه الحالة لا تزول معالمها بمرور الوقت – ولكن يترتب على البطء في إثباتها تفويت حق المؤجر في الانتفاع بالعين أو تأجيرها للغير.
ففي مثل هذه الأحوال يقتضي الأمر اتخاذ إجراء سريع لا يحتمل الإبطاء، ونتيجة لذلك توصف المنازعة بأنها مستعجلة.
وركن الاستعجال أو الخطر يجب أن يتوافر في جميع المنازعات المستعجلة وإلا كان القاضي المستعجل غير مختص بها، ووجب عرض النزاع في شأنها على القاضي الموضوعي إن كانلذلك محل.
ونلاحظ أخيراً في خصوص ركن الاستعجال ملاحظتين:
1- أن الاستعجال ينشأ من طبيعة الحق المتنازع فيه أو من الظروف المحيطة به لا من إرادة الخصوم أو رغبتهم في الحصول على حكم سريع ولا من اتفاقهم على اختصاص القاضي المستعجل.
2- أنه إذا زال الاستعجال أثناء نظر الدعوى فالراجح أن ذلك يزيل اختصاص القاضي المستعجل .
الشرط الثاني: أن يكون المطلوب في الدعوى المستعجلة هو إجراء وقتي أو تحفظي:
فإذا تضمنت الدعوى المستعجلة طلباً موضوعياً كالحكم بالمديونية أو الملكية أو الحيازة أو البطلان أو الفسخ كان القاضي المستعجل غير مختص بالدعوى )أو على الأقل بالطلب الموضوعي.(
إلا أنه يجوز للقاضي المستعجل عندما يعرض عليه طلب موضوعي خارج عن حدود اختصاصه إذا ما قدر أنه ينطوي على طلب وقتي يدخل في اختصاصه أن يغير الطلبات المطروحة في الدعوى بما يتلاءم مع اختصاصه.
الشرط الثالث: ألا يكون من شأن الفصل في الدعوى المستعجلة المساس بأصل حق من الحقوق المدعاة من جانب أحد الطرفين:وعدم المساس بالحق هو شرط لاختصاص القاضي المستعجل وقيد على سلطته في نفس الوقت.
فلو رفعت دعوى مستعجلة تتضمن مساساً بأصل الحق، فإن القاضي المستعجل يجب أن يحكم بعدم اختصاصه بها- ولو توافر ركن الخطر- ما لم يعمد إلى تحوير الطلبات، ومثال ذلك أن ترفع إليه دعوى بطلب إثبات تزوير عقد –فمثل هذا الطلب موضوعي ويمس أصل الحق ،فيجب على القاضي أن يحكم بعدم اختصاصه بالدعوى، وإنما يجوز له أن يحكم بالتحفظ على العقد المطعون عليه بالتزوير وذلك فإيداعه في خزينة المحكمة داخل مظروف مختوم، فمثل هذا الإجراء الوقتي يدخل في حدود اختصاصه.
على أنه إذا رفعت إلى القاضي دعوى مستعجلة وتحقق فيها ركن الاستعجال أو الخطر وكان المطلوب فيها إجراء وقتيا أو تحفظيا- ولكن ثار فيها نزاع جدي- يتوقف على الفصل فيه الحكم في الدعوى المستعجلة بالإجراء الوقتي. وكان هذا النزاع الجدي موضوعيا فإن اختصاصالقاضي المستعجل يرتفع أو ينحسر في هذه الحالة، ويتعين عليه أن يقضي بعدم الاختصاص.
وقد يعترض على ذلك بأن القاضي المستعجل متى كان مختصاً في البداية فلا يجوز أن يزول اختصاصه بسبب طارئ بعد رفع الدعوى أو أثناء سيرها، ولكن هذا الاعتراض مردود بأن اختصاص القاضي المستعجل يتحدد على مرحلتين:
فهو في المرحلة الأولى ينحصر في الاختصاص بنظر الدعوى
.وهو في المرحلة الثانية يتمثل في الاختصاص بالحكم في الدعوى.ومتى انتفى اختصاص القاضي في المرحلة الأولى فإنذلك يستبعد بداهة الانتقال إلى المرحلة الثانية.
أما إذا توافر الاختصاص بالنظر فإننا ننتقل إلى المرحلة الثانية وهي مرحلة الاختصاص بالحكم، فإذا لم يتوافر هذا الاختصاص، وجب على القاضي أن يتوقف وأن يقضي بعدم اختصاصه.
ويتحقق ذلك في صورتين:
الصورة الأولى: أن يزول ركن الاستعجال أو الخطر بعد أن كان متحققا في بداية رفع الدعوى. فإن ذلك يزيل اختصاص القاضي بالحكم فيها-كما لو سدد المستأجر الأجرة أثناء رفع دعوى الطرد المستعجلة فينتفي بذلك الخطر على حقوق المؤجر.
ومن أمثلة ذلك أيضاً أن ترفع دعوى مستعجلة بإثبات حالة ثم يتغيب المدعى والمدعى عليه فيها فتشطب ولا يجددها المدعى إلا بعد مضي فترة طويلة كفيلة بزوال حالة الاستعجال، فهذا التراخي في الدعوى يزيل الاستعجال.
والصورة الثانية: أن يثور أثناء الدعوى نزاع موضوعي ويكون هذا النزاع جدياً والفصل فيه ضرورياً للحكم في الدعوى.
مثال ذلك: أن ترفع دعوى طرد مستأجر بحجة انتهاء عقد إيجاره أو تكون دعوى الطرد مؤسسة على وجود شرط فاسخ صريح وارد في عقد الإيجار وأن هذا الشرط قد تحقق- فيثير المستأجر نزاعاً موضوعياً حول انتهاء عقد الإيجار أو حول وجود الشرط الفاسخ الصريح أو حول تحققه.
ولكن لا يكفي أن يثور نزاع موضوعي أياً كان حتى يزول اختصاص القاضي المستعجل –وإلا لأمكن للمدعى عليه أن يستبعد الاختصاص المستعجل بإثارة أي نزاع جدياً والفصل فيهلازما للحكم في الدعوى المستعجلة، فإن تبين القاضي من ظاهر الأوراق أن النزاع غير جديفإنه لا يقضي بعدم الاختصاص، ومن أمثلة ذلك على ما ورد في أحد أحكام محكمة النقض من ادعاء المستأجر بأنه استأجر نفس المكان بعقد جديد من وكيل المالك، إذ يتضح أنه ليست هناك وكالة.
ويلاحظ أخيراً أن اختصاص القاضي المستعجل يختلف عن اختصاص أي قاض آخر لأن المحاكم الموضوعية عندما تجد مسألة أولية في الدعوى )أي مسألة يتوقف عليها الفصل في الدعوى( ، وتكون هذه المسألة خارجة عن اختصاص المحكمة فإنها توقف الدعوى لحين الفصل في المسألة الأولية ويبقى الاختصاص بالدعوى الموقوفة قائماً للمحكمة التي رفعت إليها تلك الدعوى. أما القاضي المستعجل فلا يملك أن يوقف الدعوى لحين الفصل في النزاع الموضوعي –لأن ذلك يزيل ركن الاستعجال ويجعل اختصاصه بعدئذ عديم الفائدة –وإنما يفصل بحسب الظاهر.